الماڤيا منال سالم
المحتويات
الآن. جلست على طرف الفراش أربت على كفها بيد وبذراعي الآخر ألفه حول كتفيها لتشعر باحتوائي لها انتفاضة خفيفة حلت ببدني وقد فتح باب الغرفة ليظهر فيجو عند عتبته متسائلا بصوت هادئ وعيناه تنظران إلي كصقر يترقب افتراس طريدته
كيف الحال
ارتجف صوتي نسبيا عندما نطقت
لمعت عيناه بوميض غريب كتعبير عن استحسانه لإكمال المهمة بطاعة عمياء تقدم ناحية الفراش مركزا بصره على والدتي وهو يخاطبها
تعازينا الحارة سيدة صوفيا.
مسحت أمي الدمع بمنديلها الورقي ونظرت إليه في انكسار فتابع في نفس النبرة الهادئة
انتبهت إليه ورددت في لهفة ملتاعة
حقا
أكد عليها بإيماءة خفيفة من رأسه فسألته بصوت مليء بالشجن
هل تألم في مۏته
وجدته ينظر ناحيتي وهو يجاوبها كأنما يذكرني بفعلته الشنيعة
ما نفع أن أعلق عليه وأنا لن أجرؤ على مواجهته تحاشيت النظر ناحيته وفضلت التطلع نحو والدتي بلا أدنى تعبير سمعته يؤكد على صوفيا بجدية
لا تقلقي بشأن أي شيء سنتولى مراسم الچنازة وستكون على أعلى مستوى.
يبدو أنه نجح في جعل ابتسامة ممتنة تظهر على ثغرها بإبداء دعمه فقالت
امتدت يده لتمسك بكفها فلامس ذراعه ذراعي فانتفضت وتراجعت للخلف لأمنعه من لمسي يبدو أنه شعر بحركتي النافرة فرمقني بنظرة حادة من طرفه قبل أن يعاود الكلام مع صوفيا
اهتمي فقط بصحتك...
من جديد حملق في وجهي بثبات وأضاف بنبرة متحكمة متسلطة
ضغط على كلماته الأخيرة عندما اختتم جملته
وأنا أعني ما أقول.
أطبقت على شفتي بتعصب مانعة نفسي من التفوه بحماقة لكني رددت مع نفسي بلا صوت وقد تجهمت تعابيري
الكاذب اللعېن!
غفلت عن باقي حديثه للحظات كأنما انفصلت ذهنيا عن الواقع قبل أن اتنبه لوالدتي وهي تهتف
من سيعتني بمن يبدو أني فقدت جزءا هاما من الحوار فوزعت نظراتي الحائرة بينهما لأثبتها في النهاية على والدتي وهي توصيه
نحن الآن عائلة واحدة.
لم يبتسم وهو يؤكد لها
بالطبع.
حانت منه نظرة خاطفة ناحيتي لم تستمر سوى لبضعة ثوان قبل أن يشتتها ليحملق في وجه صوفيا قائلا بنوع من التحذير المتشدد
لا داعي للحديث عما حدث مع أي شخص لنبقي الأمر بيننا.
رأيت نظرة الاندهاش تعتلي وجهها ومع ذلك لم تبد اعتراضها لاذت بالصمت مثلي فأكمل في هدوء يحمل في طياته المزيد من التحذير
وأنت تعلمين أنه لصالح الجميع.
وجدت صوفيا تومئ برأسها مرددة
حسنا.
تلقائيا اتجهت ناظري نحو فيجو عندما تكلم مرة أخرى
سأمر عليك لاحقا قبل أن ننتقل لمكان آمن.
سألته عندئذ أمي في جزع
أهذا كسابقه هل هناك من سيتعرض لنا
تحدث من زاوية فمه مؤكدا بشدة
ما حدث لن يتكرر .. أبدا ثقي في كلامي!
هتفت من فورها مبتسمة رغم علامات الحزن المنتشرة على تقاسيمها
أنا أثق بك.
انتفضت مجددا عندما امتدت يده بالقرب مني لتربت على كف صوفيا رمقته بهذه النظرة المتسعة في إنكار ورأيته يحدجني بنظرة غريبة بثت رجفة قوية في قلبي استعاد فيجو يده وخاطبها في لطافة غير لائقة بشخصه الفتاك
هيا استريحي قليلا.
اكتفت أمي بهز رأسها كتعبير عن استجابتها له فتحركت من موضعي لأضع الوسادة خلف ظهرها لتحصل على المزيد من الراحة خفقة مباغتة عصفت بالعضلة المحپوسة بين ضلوعي عندما همس بالقرب من أذني
أريدك معي.
أدرت رأسي للجانب كردة فعل عفوية فوجدته قريبا مني للغاية همهم في خفوت آمر
جعل بدني يرتج
الآن!
لم يكن أمامي سوى الانصياع له انتظرت فقط للحظة ريثما يبتعد عني لأتبعه خرج فيجو من الغرفة فاضطررت للحاق به تأكدت من إحكام ضم طرفي الروب الذي أرتديه فوق ثوب المشفى وجدته يقف أمام إحدى النوافذ بالردهة الواسعة تقدمت في اتجاهه ووقفت عند النافذة إلى جواره كلانا احتفظا بالصمت لم يستدر ناحيتي وظل يحدق أمامه لم أملك الصبر الكافي لانتظار استهلاله فسألته مباشرة
ماذا تريد
أجابني دون أن يلتفت نحوي
تواصلي مع شقيقتك.
عند تطرقه لسيرة آن انطلقت غرائزي الدفاعية وثارت فاندفعت ألكزه في صدره براحة يدي وأنا أنذره في حدة
لا شأن لك بها!
اغتظت من طريقة تحديقه الجامدة بي فواصلت وكزه في عصبية وأنا أصرخ به بانفعال انعكس على وجهي
وإياك أن تفكر في الاقتراب منها أو...
لم أكمل باقي جملتي للأخير حيث أمسك برسغي يعتصره بأصابعه القوية فكتمت تأويهة الألم التي ترغب في الانفلات من بين شفتي كان يؤذيني حقا وأنا أقاوم الۏجع قدر استطاعتي نظرت إليه بتحد وبغير خوف فخاطبني بعجرفة تسلطية
لو أريدها عندي ستكون هنا في التو لن أناقشك في ذلك اعلمي ذلك جيدا.
شحذت كامل قواي لأتمكن من تحرير يدي من قبضته الغليظة نجحت فقط عندما أرخى أصابعه فركت موضع الألم بيدي الأخرى ونطقت متسائلة في صوت مهتز وأنا لا أرمش
أنت لا تريد إيذائها
رمقني بنظرة هازئة ليأمرني بعدها في صرامة
هاتفيها وأطلعيها على ما حدث مثلما فعلت مع صوفيا.
ارتكزت أنظاره نحو مفاتني التي ظهرت تفاصيلها من أسفل زي المشفى لتبدو استدارتها واضحة للعين وقال بلا ابتسام
وهناك ثياب لائقة في الخزانة ارتديها وتعالي.
خجلت من نظراته الجريئة وكلماته الموحية أطرقت رأسي حرجا فأكمل وهو يتحرك بعيدا عني
سأنتظرك مع باقي رجالي بالخارج.
شيعته بنظراتي الحاقدة وهو ينصرف مغادرا الردهة لأدمدم بصوت خاڤت يشوبه الحنق
ليتك ټموت وأستريح أنا!
من حسن حظي أني وجدت في خزانة الملابس عندما عدت للغرفة المخصصة لي بالعيادة سروالا جلديا لونه أسود وكنزة حريرية تتطابق مع لونه الحالك كانت الثياب ملائمة لقياسي بالطبع اندهشت لهذا الأمر لكني تجاوزت عنه. مشطت خصلات شعري بيدي وسويت ما تناثر منه ثم جمعته خلف ظهري وتركته طليقا. خرجت من الغرفة شبه مندفعة لأجد فيجو بانتظاري في الرواق انتفضت لرؤياه غير المتوقعة لكن سرعان ما استعدت هدوئي وجدته يفرد راحته بهاتف محمول اكتفى بالنظر الآمر لي فالتقطت الهاتف من يده قبض على كفي فارتعشت كليا وحملقت في وجهه بعينين متسعتين في توجس شدني من يدي الأسيرة ناحيته ليقلص المسافات بيننا وهتف بلهجة محذرة وهو يغوص بنظراته في عمق عيني
كما اتفقنا!
قلت في عبوس وأنا أحاول انتشال يدي منه
أنا لا أرجع في كلمتي.
لاحظت ابتسامة خفيفة تتشكل على زاوية فمه وهو يعلق
إذا اتقفنا على شيء.
حرر قبضتي فسحبت يدي للخلف وأوليته ظهري لأبدأ بعدها في مهاتفة شقيقتي آن لم أكن قد رتبت أفكاري بعد تركت المسألة للحظ ولما تفرضه الظروف وقتئذ.
طوال المكالمة ظل فيجو يراقبني كأنما يخشى أن أتفوه بشيء نزق فأفسد مخططه لم أكن بهذا الغباء لأورط آن في مشكلة ما أردت أن تمضي الأمور على خير وأن تصدق حقا أن رومير راح ضحېة الغدر لا جراء خيانته. نظرة سريعة سددتها نحوه قبل أن أرمش بعيني وأنا أسمع صوت شقيقتي يردد في ذهول مرتاع
يا للهول! كل ذلك حدث يا ليتكما بقيتما معي هنا.
همست بصوت يحوي كل الرجاء وبالكاد خرج من جوفي
يا ليت حقا!
تنبهت لها وهي تسألني في لوعة
وهل أمي بخير كيف تعاملت
مع الأمر
ضغطت على شفتي للحظة قبل أن أجيبها مع تنهيدة سريعة
ليست في حال أفضل لكنها ستتجاوز خسارته.
وجدت آن تطلب مني فجأة بما جعل قلبي يقفز في توتر
بعد أن تنتهي مراسم الډفن استقلا أول طائرة عائدة إلى ميلانو لا داعي لبقائكما هناك.
تحولت أنظاري نحو فيجو من جديد كأنما أتأكد من سماعه لما طلبته مني شقيقتي كان يتابع ما يدور بيننا من حوار وإن كان من جانبي فقط لكوني لا أضع المكالمة على السماعة الخارجية كانت كامل نظراته مسلطة علي حدت ببصري للجانب الآخر وأخبرتها بأسف حقيقي
لا أظن أني سأفعل ذلك...
ثم خفضت من نبرتي متمة عبارتي
في الوقت الحالي.
هدرت في استهجان
لماذا ما المانع لا يوجد داع لتواجد أيا منكما يكفي ما عشتماه!
حمحمت قائلة بنوع من التهرب
سأخبرك لاحقا أنا مضطرة لإنهاء المكالمة.
أوصتني بلوعة شعرت بها في صوتها
انتبهي لنفسك ريانا وعودي إلى هنا سريعا من فضلك.
اختطفت نظرة جانبية من طرفي نحو فيجو وأنا أرد
سأحاول.
ودعتها سريعا ثم استدرت ناظرة إليه لأناوله الهاتف فأخذه مني مع كفي كذلك ليجذبني ناحيته بغتة وأردف متسائلا
أتخططين للذهاب من هنا
ارتجفت من حركته تلك وارتفع دبيب قلبي حتى كاد يصم أذناي بذلت جهدا مضنيا لأبدو ثابتة في حضوره وسعيت لانتزاع يدي من يده القابضة على كفي لم أفلح في تحريرها وصحت في عصبية طفيفة
أتحاول إخافتي
هزني في قوة استشعرتها منه وهو يسألني بلهجته الآمرة
أجيبي هل تنوين الذهاب
لم أرغب في الظهور بالضعف أمامه رغم الخۏف المستبد بي وعاندته قائلة في تحد غير مدروس العواقب
ليس من شأنك!
هذه المرة استخدم ذراعه الآخر ليطوقني من خصري دفعني في خشونة ناحيته لأشهق مصډومة من هذه النزعة التملكية التي يفرضها علي في كل حين لا يهتز. ثبت فيجو نظراته المليئة بالغموض والشراسة على عيني الخائفتين وأخبرني في فحيح لطم بأنفاسه وجهي الذي قربه مني
أنت بأكملك شأني لا تملكين سوى أنفاسك...
كادت شفتاه تلمسان خاصتي فأشحت بوجهي للجانب وذهني يتنشط بما خضته من تجربة ما زالت آثارها الشنيعة تنطبع في ذاكرتي تقلصت عضلات وجهي أكثر مع همسه القائل
وحتى هذي أنا أتحكم بها.
وجل قلبي بشدة وانتفض كل ما في رهبة منه صړخت في هيسترية متوقعة أن يفعل مثلما فعل خاطفي في وقت سابق فكلاهما غادر فاتك
لا تلمسني لا تقترب مني.
أطبقت على جفني بقوة لئلا أراه وهو يستمتع بإرعابي أحسست بانقلاب معدتي وبنفس شعور النفور والتقزز تضاعفت رجفاتي وسمعتني أصرخ بصوت كان نشيجا
لا أريد ابتعد عني.
على ما يبدو صړاخي المڤزوع جعله يتوقف عن التمادي معي ويتراجع عني استرخت ذراعاه عن جسدي فتمكنت من الإفلات منه وهرولت وأنا أبكي لأعود إلى الغرفة الماكثة بها والدتي لم أهتم إن كانت ستستجوبني أم لا المهم ألا أعايش المزيد من هذه الذكريات السيئة.
استغرقت مراسم إعداد الچنازة وتأمين محيطها يومان بعد خروج صوفيا من هذه العيادة الطبية وبقاؤنا في منزل آخر آمن غير ذاك الذي تعرضنا فيه للخېانة لم أر فيجو طوال مدة مكوثي هناك لا أعرف سبب غيابه المريب فعادة يحب إظهار سطوته على الجميع لكن أظن أن لقاءنا الأخير قد ترك انطباعا سيئا لديه لذا لم يحبذ التواجد بقربي وكان ذلك مريحا لي إلى حد ما.
انتقلنا بسيارات سوداء حديثة الطراز إلى مكان دفنه حيث تم دعوة القادة والرؤساء والزعماء فكان الحضور كثيفا كأنما حضورهم إلزاميا لا مجاملة ودية لعائلتنا وإنما إرضاء ل سانتوس فمن الضروري عندهم الحصول على استحسانه. امتلأ المكان عن آخره كذلك بأفراد الحراسة
الخاصة بدا من وجهي نظري وكأنه مهرجانا لإظهار مدى قوة كل عصبة على حدا. من وجهة نظري المتواضعة التوقعات لا تبشر بخير خاصة مع احتمالية وقوع أي هجوم غادر من الجماعات المضادة
متابعة القراءة